"وفيما هم يأكلون أخذ يسوع الخبز وبارك وكسر وأعطى تلاميذه وقال: خذوا كلوا، هذا هو جسدي. وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلاً: اشربوا منها كلكم لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد، الذي يسفك من أجل الكثيرين لمغفرة الخطايا" (متى 26: 26 - 28).
تعلم الكنيسة الكاثوليكية عقيدة الاستحالة، التي تقول أنه عندما ينطق الكاهن بكلمات التكريس فوق الخبز والخمر في القداس، تتحول هذه إلى جسد ودم الرب الحقيقي، نفس ولاهوت الرب يسوع المسيح.
وتشكل الاستحالة أساس عبادة هذه الكنيسة، التي تعلم أنه بعد تكريس الخبز والخمر تتحول هذه إلى ذات الرب يسوع ابن الله، لذلك يصلي الشعب إليه ويعبده.
تعتقد الكنيسة الكاثوليكية أيضاً أن للكاهن القوة المطلقة لتحويل الخبز والخمر إلى الله، لأنه بحسب تعليم الكنيسة المذكورة يطيع المسيح الكاهن ويدخل في الخبز والخمر. لذلك بعد تكريسه يتحول إلى نفس المسيح. إذا كانت هذه العقيدة صادقة فيجب على كل شخص أن يقبلها. ولكن إذا كانت مناقضة لتعاليم الكتاب المقدس، فإن الكنيسة الكاثوليكية وتعاليمها يصبحان أبعد ما يكون عن الحق وليسا بحسب الكتاب المقدس.
عندما أعطى الرب يسوع الخبز لتلاميذه، قال "خذوا كلوا، هذا هو جسدي". وأعطاهم الكأس وقال: "اشربوا منها كلكم، لأن هذا هو دمي للعهد الجديد". تعتقد الكنيسة الكاثوليكية أن يسوع قصد ما قال حرفياً، وهكذا يتحول الخبز والخمر إلى جسد ودم الرب الحقيقي. ولكن الحقيقة هي أن المسيح لم يقصد ذلك.
عندما تناول المسيح العشاء الرباني مع تلاميذه كان هو موجوداً هناك بنفسه يتكلم شخصياً إليهم، ومن ذلك نستنتج أن الخبز لا يمكن أن يكون جسده بينما كان في يده. وكذلك الخمر لا يمكن أن يكون دمه، لأنه لم يكن قد تألم وجرح. بالعكس، لقد كان الدم ما زال يجري في عروقه، وهكذا فإن الخمر يمثل دمه فقط.
قد يتساءل البعض: لماذا استعمل الرب يسوع هذا التعبير المجازي؟ ولماذا لم يقل: "هذا الخبز يمثل جسدي، وهذا الخمر يمثل دمي"؟
إن الجواب على هذا السؤال واضح وبسيط. فإن كل دارس للعهد الجديد يعرف أن عشاء الرب قد تطور من عيد الفصح اليهودي. ولقد استعمل الرب لغة عيد الفصح، لأن التلاميذ كانوا معتادين عليها، وكان من السهل عليهم أن يفهموا قصد الرب يسوع.
يجب أن نتذكر أن عشاء الرب قد انتهى بنفس الليلة، وبنفس الوقت والطريقة التي انتهى بها عيد الفصح. وقد استعمل الرب يسوع وتلاميذه في تلك الليلة نفس الخبز والخمر.
توجد صور كثيرة في العهدين الجديد والقديم، أشكال ورموز تمثل الرب يسوع وتشير إليه. من تلك الصور أو الرموز التي ظهرت في كلا العهدين صورة حمل الفصح الذي كان دائماً يمثل الرب يسوع المذبوح من أجل الجميع.
"وفي الغد نظر يوحنا يسوع مقبلاً إليه فقال: هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم" (يوحنا 1: 29).
"فنظر إلى يسوع ماشياً فقال: هوذا حمل الله" (يوحنا 1: 36).
"... بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس، دم المسيح" (1 بط 1: 19).
"... وفي وسط الشيوخ حمل قائم كأنه مذبوح..." (رؤيا 5: 6).
"... للجالس على العرش وللحمل البركة والكرامة والمجد والسلطان إلى أبد الآبدين" (رؤيا 5: 13).
إن الحمل يمثل ويشير ويرمز إلى الرب يسوع إلى أكل في الفصح. حمل الله الذي ذبح على الصليب من أجلنا. وإن الحمل الذي أكله يسوع مع تلاميذه في ليلة العشاء الرباني كان ذكرى فصح يهوه في مصر، عندما عبر ملاك الموت عن الإسرائيليين، وقتل البكر من كل عائلات المصريين. لذلك ففي ليلة الفصح الرباني، الذي هو إعادة لفصح يهوه، عندما قال يسوع: "هذا هو جسدي" أعاد ما قاله موسى في ليلة فصح يهوه: "هذا فصح للرب" (خروج 12: 11).
هل كان ذلك الفصح الحقيقي؟ لا. فالفصح الحقيقي كان عندما عبر ملاك الموت من أمام بيوت شعب الله وقتل أبكار المصريين. هل كان الحمل المذبوح هو الفصح؛ لا فالخروف المذبوح كان رمزاً للعشاء الرباني، فقد كان الشعب يأكل الحمل المذبوح ليتذكر ما عمله يهوه ليخلصهم من يد المصريين عندما التجأوا في بيوتهم تحت دم الحمل المرشوش على الأبواب، بينما عبر ملاك الموت عن الشعب وقتل المصريين. لذلك نرى هنا أن يسوع استعار هذه من موسى، ومن عيد الفصح الذي فيه ذكرى للرب نفسه "عشاء الرب" لذلك كانت كلماته طبيعية وبسيطة ومناسبة.
لذلك عندما قال يسوع: "هذا جسدي" كان قوله هذا بنفس صيغة المجاز التي استعملها موسى حين قال عن الحمل: "هو فصح للرب".
لقد كان عيد الفصح ذكرى خلاص الشعب، عندما عبر ملاك الموت وقتل المصريين. وعندما ذكر موسى عيد الفصح قال: "ويكون لكم هذا اليوم تذكاراً فتعيدونه عيداً للرب. في أجيالكم تعيدونه فريضة أبدية" (خروج 12: 14) "ويكون لك علامة على يدك وتذكاراً بين عينيك، لكي تكون شريعة الرب في فمك. لأنه بيد قوية أخرجك الرب من مصر. فتحفظ هذه الفريضة في وقتها من سنة إلى سنة" (خروج 13: 9، 10).
وكما أن عيد الفصح كان ذكرى خلاص الشعب وخروجه من مصر، كذلك عشاء الرب الآن هو الذكرى عند المسيحيين، وذكرى الشركة مع الرب وموته من أجل كل الشعب. كانت مناسبة العشاء الأخير أثناء وجود الرب يسوع على الأرض قبل الصليب بليلة واحدة. ولا تزال هذه الذكرى تقدم كذكرى موت الرب يسوع من أجلنا. قال يسوع: "اصنعوا هذا لذكري" (لو 22: 19) وأيضاً في 1 كورنثوس 11: 24 "اصنعوا هذا لذكري". وفي الأعداد التي تلي ذلك يقول: "اصنعوا كلما شربتم لذكري" إذاً فالقصد الوحيد من ممارسة عشاء الرب، كما يذكر لنا الكتاب المقدس، هو لذكرى الرب يسوع وموته. لقد كانت ذكرى محبة مقدسة. ذكرى محبته وموته من أجلنا.
عندما كان يسوع يكلم تلاميذه كان يكلمهم بأمثال، وهذه العادة شائعة ومعروفة عند كل كتّاب العهد الجديد. ونحن في هذه الأيام كثيراً ما نستعمل اللغة الرمزية والأمثال. قال يسوع: "أنا هو الباب" – "أنا هو الطريق والحق والحياة" – "أنا الكرمة وأنتم الأغصان" – "أنا هو نور العالم" – "أنا هو الخبز الذي نزل من السماء". هل كان فعلاً يقصد أنه باب أو كرمة؟ طبعاً لا! كل هذه كانت لغة مجازية. يمثل لنا يسوع في سفر الرؤيا "السبعة الكواكب هي ملائكة السبع الكنائس، والمناير السبع رأيتها هي السبع الكنائس" (رؤيا 1: 20). وما هذه إلا مجرد رموز يسهل فهمها.
قال القديس بولس عن سير الشعب في البرية 1 كو 10: 4 "لأنهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم، والصخرة كانت المسيح". فقد يقول شخص: لكن هذه الصخرة التي أخذ منها الشعب وشرب لا تزال صخرة في البرية! أليس كذلك؟ بالطبع نعم. هل استحالت إلى المسيح الحقيقي؟ بالتأكيد لم تتغير. بنفس الطريقة عندما أعطى يسوع الخبز وقال: "هذا هو جسدي" فإنه يعني خبزاً، وكذلك الخمر يعني خمراً، لأن الرب كان يرمز ويشير إلى جسده ودمه. قال يسوع: "اصنعوا هذا لذكري". فإن ذلك خدمة محبة وموت الرب من أجلنا.
تؤمن الكنيسة الكاثوليكية أن المسيح طلب منهم أن يأكلوا لحمه ويشربوا دمه، وقد عمل عشاء الرب مخصوصاً ليتحول فيها جسداً ودماً ومن أجل ممارستها. ولإثبات تلك الفكرة تتمسك الكنيسة البابوية بما ورد في يوحنا 6: 53 – 55 "إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم. من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير. لأن جسدي مأكل حق ودمي مشرب حق".
ماذا كان الرب يقصد بهذه الكلمات؟ إنها لا تشير إلى العشاء السري أو الشركة المقدسة. ونستطيع أن نتأكد من ذلك عندما نعلم أن عشاء الرب لم يكن قد أعد، وأن الكلمات التي نطق بها عن لحمه ودمه كانت قبل العشاء بسنة كاملة.
لذلك فإن كلمات الرب في إنجيل يوحنا الإصحاح السادس عن جسده ودمه لا تشير إلى العشاء الرباني.
ماذا كانت كلمات الرب في يوحنا 6، وماذا كان تأثيرها على سامعيه في تلك الساعة؟ هل فهموا أن كلامه يعني تحويل الخبز والخمر إلى جسد الرب ودمه؟ لم يكن لدى الشعب أي فكرة من هذا النوع! هل اعتقدوا أن يسوع كان يعني الشرطة المقدسة؟ لا، أبداً، لأنه لم يكن عشاء للرب في ذلك الوقت، ولم يهيأ إلا بعد سنة. أما أكل وشرب جسد الرب ودمه فقد كان أمراً سريعاً فورياً واجباً عليهم أن يفعلوه حالاً بدون تأخير لتكون لهم حياة أبدية. لم يقل الرب: "إن لم تأكلوا جسدي وتشربوا دمي (بعد سنة) فليس لكم حياة فيكم" لكن قال: "إن لم تفعلوا ذلك (الآن) فليس لكم حياة فيكم (الآن)". لم يشر الرب ولا علم التلاميذ ولا المستمعين عن العشاء الرباني بل عن قبوله والإيمان به. فواضح جداً أن كلمات الرب لم يكن بها أية إشارة أو مرجع أو شاهد لعشاء الرب أو للشركة المقدسة.
طالما أن كلمات الرب في يوحنا 6 لم تشر إلى عشاء الرب. فإلى أي شيء أشارت يا ترى؟
نجد الجواب عندما نقرأ كل الإصحاح السادس مع فقرات أخرى من العهد الجديد. لقد قال الرب هذا بعد اليوم الذي عمل فيه معجزة إطعام الخمسة آلاف شخص بخمسة أرغفة وسمكتين. وكانت النتيجة أن الشعب تبعه على شاطئ بحر الجليل، وكان توبيخ الرب لهم حين قال: "... أنتم تطلبونني، ليس لأنكم رأيتم آياتي، بل لأنكم أكلتم من الخبز وشبعتم" (يو 6: 26) قال لهم يسوع في يوحنا 6: 27 "اعملوا لا للطعام البائد بل للطعام الباقي للحياة الأبدية الذي يعطيكم ابن الإنسان، لأن هذا الله الآب قد ختمه". كان هذا الطعام شيئاً رمزياً فقط، لأن الطعام المادي لا يمكث إلى الأبد، بل يفسد ويضمحل.
سأل الشعب يسوع: "ماذا نفعل حتى نعمل أعمال الله؟" (يو 6: 28) فأجابهم يسوع فوراً: "... هذا هو عمل الله: أن تؤمنوا بالذي أرسله" (يوحنا 6: 29). يخبرنا الرب هنا ببساطة أن الشيء المهم والضروري هو أن نؤمن به.
حينئذ سأل الشعب: "... فأية آية تصنع لنرى ونؤمن بك؟ ماذا نعمل؟ آباؤنا أكلوا المن في البرية. كما هو مكتوب: أنه أعطاهم خبزاً من السماء ليأكلوا. أجابهم يسوع: أنا هو خبز الحياة. من يقبل إليّ فلا يجوع، ومن يؤمن بي فلا يعطش أبداً" (يو 6: 30 - 35).
لاحظ هنا أن قدومنا إلى يسوع يعني إيماننا به. وإيماننا به يعني قدومنا إليه. فكل من يؤمن بيسوع أو يقبل إليه، له حياة أبدية. وعندما يقول الرب عن المؤمن "لن يجوع" و "لن يعطش" فهو بالطبع يقصد أن له حياة أبدية.
لقد تذمر اليهود على يسوع لأنه قال: أنا هو الخبز الذي نزل من السماء. إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد. ولكن ما هو سوى الجواب على تذمرهم. والإثبات أن الإيمان به يعطي حياة أبدية، فقال: "الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية" (يو 6: 47). ولأول مرة نراه يذكر جسده حين قال: "أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء. إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد. والخبز الذي أنا أعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم".
هنا نرى أن "الخبز" و "الجسد" لهما نفس المعنى. الخبز الذي تكلم عنه هو جسده، وقال إنه يريد أن يبذل جسده من أجل حياة العالم. وقد عمل ذلك عندما صلب طوعاً على الصليب لرفع القصاص الناتج عن خطية العالم. إن أكل جسد ابن الإنسان هو كأكل الخبز الحي الذي نزل من السماء، وأكل خبز الحياة الذي أتى من السماء كما قرأنا: هو أن نأتي إلى يسوع ونؤمن به. لا أكثر ولا أقل. الذي يؤمن بيسوع يقتات على الخبز الحي، يأكل جسده ويشرب دمه الرمز للحياة الأبدية.
قال يسوع: "من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيّ وأنا فيه" (يوحنا 6: 56). ويخبرنا الروح القدس في 1 يوحنا 4: 15 "من اعترف أن يسوع هو ابن الله، فالله يثبت فيه وهو في الله". وهكذا نرى للمرة الثانية أن تناول جسد الرب يسوع ودمه هو الاعتراف به أنه ابن الله أي كالإيمان به.
ولكي يبعد يسوع اليهود عن التفكير المادي قال: "الروح هو الذي يحيي. أما الجسد فلا يفيد شيئاً. الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة" (يوحنا 6: 63). وقال يسوع: "إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم" (يو 6: 53). وقال أيضاً: "... من يؤمن بي فله حياة أبدية" (يو 6: 47). وهذا واضح جداً أن تناول جسد الرب ودمه يعني الإيمان به. ومهما يكن من أمر، فإن هذه هي الحالة الوحيدة لربح الحياة الأبدية.
وهكذا فإن المرء يستطيع أن يأكل جسد الرب ويشرب دمه، حتى لو لم يشترك ولا مرة في تناول العشاء السري أو الشركة المقدسة. ألم يفعل اللص على الصليب نفس الشيء؟ لقد كانت له حياة أبدية لأنه دخل الفردوس في نفس اليوم الذي صلب فيه يسوع، حسب قول الرب له في لوقا 23: 43. لقد شرب اللص دم الرب وأكل جسده بالرغم من أنه لم يحضر العشاء السري الذي أقامه الرب في الليلة التي سبقت يوم صلبه.
وفي الإصحاح السادس من إنجيل يوحنا نرى أن تناول جسد الرب ودمه لا يتمان عن طريف الفم بل عن طريق القلب. ولتبقى هذه الحقيقة عالقة بأذهاننا أن ما قاله الرب في يوحنا 6 كان قبل ممارسة العشاء الرباني، دعونا نذكر أن التلاميذ كانوا يحيون في يسوع وهو فيهم. والنفس التي تأتي إلى الرب يسوع معترفة بأنه رب وتتخذه مخلصاً شخصياً، فإن لتلك النفس حياة أبدية الآن. كما يقول يسوع: "الذي يؤمن بي له حياة أبدية".
إن عقيدة الاستحالة (أي تغيير الخبز والخمر إلى ذات المسيح) تناقض حواسنا: الإحساس والنظر والشم واللمس والذوق. فعندما نرى ونلمس الخبز والخمر ونشتمّ رائحتها ونذوقها، نتأكد أنها لا زالت خبزاً وخمراً حتى بعد تكريسها، إذ أن التكريس لا يغير منها شيئاً.
نقلت مجلة تابلت Tablet الكاثوليكية في عددها الصادر يوم 19 شباط (فبراير) 1910 نص العظة التي وعظها الكاهن فاون Vaughen في كاتدرائية وست منستر، فقالت: "إن نفس الجسد الذي وضعته مريم العذراء على يديها في ليلة الميلاد، ونفس الحياة والشخص الذي نفخ وقال لمريم المجدلية، اذهبي بسلام، مغفورة خطاياك، نفس العيون التي نظرت بمحبة إلى الشاب الغني في الإنجيل، ونفس اليدين اللتين باركتا الأطفال وكتبتا على الرمل، والجبين الذي نزف الدم من تحت تاج الأشواك، واليدان والرجلان المثقوبة على الصليب، والجروح والقلب المنكسر من أجل خطايانا، كلها مجتمعة داخل الخبز والخمر في الشركة المقدسة".
إن سؤالاً بديهياً يخطر على بالنا هو: هل تغير هذا الخبز والخمر المكرس إلى ذات الطفل يسوع ابن مريم الحقيقي؟ هل كبر وترعرع ووعظ؟ هل عمل العجائب؟ هل صعد إلى السماء؟ إذا كان الجواب بالنفي، فإن هذا يعني أنه ليس هو المسيح بأي حال من الأحوال.
إن عقيدة الاستحالة عقيدة تناقض التفكير المنطقي السليم. فكنيسة روما تدّعي بأن المسيح حول الخبز والخمر إلى جسده ودمه أثناء ممارسته العشاء السري مع التلاميذ. وبحسب هذه العقيدة نرى أنه قد حول نفسه إلى الخبز والخمر – حول نفسه ثم أكل وشرب نفسه، كذلك التلاميذ أكلوا وشربوه، بالرغم من أنه كان واقفاً أمامهم. يا لها من عقيدة هدامة! إننا نستنتج من الكتاب المقدس أن المسيح لم يكن داخل الخبز والخمر أبداً. والبراهين الكتابية كافية لكي تدحض وتنقض عقيدة الاستحالة التي لا أساس لها من الصحة.
عندما يقول كهنة الكنيسة إن الخبز والخمر المكرس هو المسيح نفسه ويحملونه على أيديهم، ويضعونه في المكان السري الخاص به في الهيكل وعلى المذبح، نتذكر تحذير الرب يسوع المسيح في متى 24: 23 – 26 "حينئذ إن قال لكم أحد هوذا المسيح هنا وهناك فلا تصدقوا. لأنه سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة ويعطون آيات عظيمة وعجائب حتى يضلوا لو أمكن المختارين أيضاً. ها أنا قد سبقت وأخبرتكم. فإن قالوا لكم: ها هو في البرية فلا تخرجوا. ها هو في المخادع فلا تصدقوا".
تزعم الكنيسة الكاثوليكية أن الخبز والخمر عندما يكرسان يتحولان إلى يسوع المسيح بالذات، إلى ابن الله وإلى الله نفسه، وبالتالي فعلى الشعب أن يركعوا ويصلوا له ويعبدوه. أي أن الكنيسة تقول بكل وضوح إن للكاهن السلطة لتكريس الخبز والخمر وتحويلهما إلى الله. يقول الكتاب المقدس في أعمال الرسل 19: 16 "... إن التي تصنع بالأيادي ليست آلهة" وكذلك في مزمور 115 عن "صنع أيدي الناس" التي يعبدونها ويقدسونها.
نقرأ في سفر أشعيا 44: 14 – 20 عن رجل يزرع شجرة فتنمو. ثم يقطعها ويستخدم بعض أجزائها ليتدفأ ويطبخ طعامه عليها ويستخدم جزءاً آخر لصنع صنم يسجد أمامه ويعبده ويصلي إليه قائلاً "نجني لأنك أنت إلهي". وهكذا إنسان عصرنا الحاضر. فهو يبذر بذور القمح في الربيع وينتظر حتى تنمو وتنضج. وفي الصيف يحصدها ويأخذها إلى المطحنة حيث تطحن. وبعد أن تطحن يأخذ الكاهن جزءاً من هذا الدقيق ويصنعه خبزاً ويأكل قسماً منه والقسم الآخر يعمله برشاماً ويكرسه. وبعد ذلك يضعه أمام الشعب. والجميع ينحنون ويسجدون له. فما الفرق إذاً بين عبادة إله خشبي وعبادة إله برشامي؟ لا فرق أبداً، هي آلهة معمولة بالأيدي. وهي عبادة أوثان. قرأ في سفر الخروج 32 قصة العجل الذهبي، وقارن بين عبادته وعبادة البرشامة الكاثوليكية. إن كهنة الكنيسة الكاثوليكية يحاولون معذرة أنفسهم بقولهم إن العجل الذهبي هو عبادة أصنام، ولكن البرشامة بعد تكريسها تتحول إلى المسيح، وعبادتها ليست عبادة وثنية. ولكننا رأينا من كلمة الله المقدسة أن البرشامة ليست المسيح وأنها لم تتغير بعد التكريس. وقد التجأ الشعب في القديم إلى نفس العذر عندما قالوا: "هذه آلهتك يا إسرائيل التي أخرجتك من أرض مصر". وكأنهم في قلوبهم يقولون: "نحن لا نعبد هذا العجل، لكنه يمثل إلهنا يهوه العظيم الذي أخرجنا من أرض مصر".
يمنعنا الكتاب المقدس من صنع أي صورة تمثل الله: "لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً ولا صورة ... لا تسجد لهن ولا تعبدهن..." (خروج 20: 2 - 5). "... للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد" (لوقا 4: 1). إن الله يطلب منا عبادة بالروح والحق، وإن السجود للأصنام البكم أو الركوع للبرشام (الخبز) أو أي شيء آخر يعتبر بنظر الله عبادة وثنية.
ثم إن عقيدة الاستحالة تناقض تاريخ الكنيسة. إنها عقيدة باطلة اخترعت بعد صعود المسيح بمئات السنين. إن علماء اللاهوت في القرون الأولى لم يعرفوا شيئاً عن الاستحالة ولم تظهر هذه العقيدة إلا عام 1215 م.
يؤمن المسيحيون الحقيقيون أنه يجب عليهم أن يأكلوا جسد الرب ويشربوا دمه إن هم أرادوا الحصول على حياة أبدية ثابتة فيهم. ونحن كمسيحيين نعلم أن هذا يتم عن طريق الإيمان بيسوع المسيح كابن الله. وعن طريق قراءة وحفظ الكتب المقدسة. وأيضاً عن طريق الإصغاء إلى الوعظ المبني على الإنجيل المقدس. ويتم هذا أيضاً عندما نصلي إلى الآب باسم المسيح، وعندما نشترك في تناول الخبز والخمر في الشركة المقدسة (وهو لا يزال خبزاً وخمراً) طاعة للوصية: "اصنعوا هذا لذكري".
فهل المسيح حقاً موجود في الشركة المقدسة؟ نعم. إن الرب يسوع حاضر وموجود بالإيمان في نفوس أتباعه الأمناء، ولكنه غير موجود حرفياً ومادياً في الخبز والخمر.
قال يسوع: "اصنعوا هذا لذكري" وهذه الوصية يجب طاعتها، وهي امتياز عظيم وبركة. ولكنها أيضاً مسئولية واضحة. قال يسوع: "اصنعوا هذا". بصيغة الأمر، لذلك يجب أن نصنعه لنطيعه. لذا ينبغي على المسيحيين قبول الشركة المقدسة.
قال يسوع: "إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم" وقال أيضاً في نفس الإصحاح: "الذي يؤمن بي فله حياة أبدية".
"البار بالإيمان يحيا" (عبرانيين 10: 38) "بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه" (عب 11: 6).
"فإذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح" (رومية 5: 1).
تعلم الكنيسة الكاثوليكية عقيدة الاستحالة، التي تقول أنه عندما ينطق الكاهن بكلمات التكريس فوق الخبز والخمر في القداس، تتحول هذه إلى جسد ودم الرب الحقيقي، نفس ولاهوت الرب يسوع المسيح.
وتشكل الاستحالة أساس عبادة هذه الكنيسة، التي تعلم أنه بعد تكريس الخبز والخمر تتحول هذه إلى ذات الرب يسوع ابن الله، لذلك يصلي الشعب إليه ويعبده.
تعتقد الكنيسة الكاثوليكية أيضاً أن للكاهن القوة المطلقة لتحويل الخبز والخمر إلى الله، لأنه بحسب تعليم الكنيسة المذكورة يطيع المسيح الكاهن ويدخل في الخبز والخمر. لذلك بعد تكريسه يتحول إلى نفس المسيح. إذا كانت هذه العقيدة صادقة فيجب على كل شخص أن يقبلها. ولكن إذا كانت مناقضة لتعاليم الكتاب المقدس، فإن الكنيسة الكاثوليكية وتعاليمها يصبحان أبعد ما يكون عن الحق وليسا بحسب الكتاب المقدس.
عندما أعطى الرب يسوع الخبز لتلاميذه، قال "خذوا كلوا، هذا هو جسدي". وأعطاهم الكأس وقال: "اشربوا منها كلكم، لأن هذا هو دمي للعهد الجديد". تعتقد الكنيسة الكاثوليكية أن يسوع قصد ما قال حرفياً، وهكذا يتحول الخبز والخمر إلى جسد ودم الرب الحقيقي. ولكن الحقيقة هي أن المسيح لم يقصد ذلك.
عندما تناول المسيح العشاء الرباني مع تلاميذه كان هو موجوداً هناك بنفسه يتكلم شخصياً إليهم، ومن ذلك نستنتج أن الخبز لا يمكن أن يكون جسده بينما كان في يده. وكذلك الخمر لا يمكن أن يكون دمه، لأنه لم يكن قد تألم وجرح. بالعكس، لقد كان الدم ما زال يجري في عروقه، وهكذا فإن الخمر يمثل دمه فقط.
قد يتساءل البعض: لماذا استعمل الرب يسوع هذا التعبير المجازي؟ ولماذا لم يقل: "هذا الخبز يمثل جسدي، وهذا الخمر يمثل دمي"؟
إن الجواب على هذا السؤال واضح وبسيط. فإن كل دارس للعهد الجديد يعرف أن عشاء الرب قد تطور من عيد الفصح اليهودي. ولقد استعمل الرب لغة عيد الفصح، لأن التلاميذ كانوا معتادين عليها، وكان من السهل عليهم أن يفهموا قصد الرب يسوع.
يجب أن نتذكر أن عشاء الرب قد انتهى بنفس الليلة، وبنفس الوقت والطريقة التي انتهى بها عيد الفصح. وقد استعمل الرب يسوع وتلاميذه في تلك الليلة نفس الخبز والخمر.
توجد صور كثيرة في العهدين الجديد والقديم، أشكال ورموز تمثل الرب يسوع وتشير إليه. من تلك الصور أو الرموز التي ظهرت في كلا العهدين صورة حمل الفصح الذي كان دائماً يمثل الرب يسوع المذبوح من أجل الجميع.
"وفي الغد نظر يوحنا يسوع مقبلاً إليه فقال: هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم" (يوحنا 1: 29).
"فنظر إلى يسوع ماشياً فقال: هوذا حمل الله" (يوحنا 1: 36).
"... بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس، دم المسيح" (1 بط 1: 19).
"... وفي وسط الشيوخ حمل قائم كأنه مذبوح..." (رؤيا 5: 6).
"... للجالس على العرش وللحمل البركة والكرامة والمجد والسلطان إلى أبد الآبدين" (رؤيا 5: 13).
إن الحمل يمثل ويشير ويرمز إلى الرب يسوع إلى أكل في الفصح. حمل الله الذي ذبح على الصليب من أجلنا. وإن الحمل الذي أكله يسوع مع تلاميذه في ليلة العشاء الرباني كان ذكرى فصح يهوه في مصر، عندما عبر ملاك الموت عن الإسرائيليين، وقتل البكر من كل عائلات المصريين. لذلك ففي ليلة الفصح الرباني، الذي هو إعادة لفصح يهوه، عندما قال يسوع: "هذا هو جسدي" أعاد ما قاله موسى في ليلة فصح يهوه: "هذا فصح للرب" (خروج 12: 11).
هل كان ذلك الفصح الحقيقي؟ لا. فالفصح الحقيقي كان عندما عبر ملاك الموت من أمام بيوت شعب الله وقتل أبكار المصريين. هل كان الحمل المذبوح هو الفصح؛ لا فالخروف المذبوح كان رمزاً للعشاء الرباني، فقد كان الشعب يأكل الحمل المذبوح ليتذكر ما عمله يهوه ليخلصهم من يد المصريين عندما التجأوا في بيوتهم تحت دم الحمل المرشوش على الأبواب، بينما عبر ملاك الموت عن الشعب وقتل المصريين. لذلك نرى هنا أن يسوع استعار هذه من موسى، ومن عيد الفصح الذي فيه ذكرى للرب نفسه "عشاء الرب" لذلك كانت كلماته طبيعية وبسيطة ومناسبة.
لذلك عندما قال يسوع: "هذا جسدي" كان قوله هذا بنفس صيغة المجاز التي استعملها موسى حين قال عن الحمل: "هو فصح للرب".
لقد كان عيد الفصح ذكرى خلاص الشعب، عندما عبر ملاك الموت وقتل المصريين. وعندما ذكر موسى عيد الفصح قال: "ويكون لكم هذا اليوم تذكاراً فتعيدونه عيداً للرب. في أجيالكم تعيدونه فريضة أبدية" (خروج 12: 14) "ويكون لك علامة على يدك وتذكاراً بين عينيك، لكي تكون شريعة الرب في فمك. لأنه بيد قوية أخرجك الرب من مصر. فتحفظ هذه الفريضة في وقتها من سنة إلى سنة" (خروج 13: 9، 10).
وكما أن عيد الفصح كان ذكرى خلاص الشعب وخروجه من مصر، كذلك عشاء الرب الآن هو الذكرى عند المسيحيين، وذكرى الشركة مع الرب وموته من أجل كل الشعب. كانت مناسبة العشاء الأخير أثناء وجود الرب يسوع على الأرض قبل الصليب بليلة واحدة. ولا تزال هذه الذكرى تقدم كذكرى موت الرب يسوع من أجلنا. قال يسوع: "اصنعوا هذا لذكري" (لو 22: 19) وأيضاً في 1 كورنثوس 11: 24 "اصنعوا هذا لذكري". وفي الأعداد التي تلي ذلك يقول: "اصنعوا كلما شربتم لذكري" إذاً فالقصد الوحيد من ممارسة عشاء الرب، كما يذكر لنا الكتاب المقدس، هو لذكرى الرب يسوع وموته. لقد كانت ذكرى محبة مقدسة. ذكرى محبته وموته من أجلنا.
عندما كان يسوع يكلم تلاميذه كان يكلمهم بأمثال، وهذه العادة شائعة ومعروفة عند كل كتّاب العهد الجديد. ونحن في هذه الأيام كثيراً ما نستعمل اللغة الرمزية والأمثال. قال يسوع: "أنا هو الباب" – "أنا هو الطريق والحق والحياة" – "أنا الكرمة وأنتم الأغصان" – "أنا هو نور العالم" – "أنا هو الخبز الذي نزل من السماء". هل كان فعلاً يقصد أنه باب أو كرمة؟ طبعاً لا! كل هذه كانت لغة مجازية. يمثل لنا يسوع في سفر الرؤيا "السبعة الكواكب هي ملائكة السبع الكنائس، والمناير السبع رأيتها هي السبع الكنائس" (رؤيا 1: 20). وما هذه إلا مجرد رموز يسهل فهمها.
قال القديس بولس عن سير الشعب في البرية 1 كو 10: 4 "لأنهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم، والصخرة كانت المسيح". فقد يقول شخص: لكن هذه الصخرة التي أخذ منها الشعب وشرب لا تزال صخرة في البرية! أليس كذلك؟ بالطبع نعم. هل استحالت إلى المسيح الحقيقي؟ بالتأكيد لم تتغير. بنفس الطريقة عندما أعطى يسوع الخبز وقال: "هذا هو جسدي" فإنه يعني خبزاً، وكذلك الخمر يعني خمراً، لأن الرب كان يرمز ويشير إلى جسده ودمه. قال يسوع: "اصنعوا هذا لذكري". فإن ذلك خدمة محبة وموت الرب من أجلنا.
تؤمن الكنيسة الكاثوليكية أن المسيح طلب منهم أن يأكلوا لحمه ويشربوا دمه، وقد عمل عشاء الرب مخصوصاً ليتحول فيها جسداً ودماً ومن أجل ممارستها. ولإثبات تلك الفكرة تتمسك الكنيسة البابوية بما ورد في يوحنا 6: 53 – 55 "إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم. من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير. لأن جسدي مأكل حق ودمي مشرب حق".
ماذا كان الرب يقصد بهذه الكلمات؟ إنها لا تشير إلى العشاء السري أو الشركة المقدسة. ونستطيع أن نتأكد من ذلك عندما نعلم أن عشاء الرب لم يكن قد أعد، وأن الكلمات التي نطق بها عن لحمه ودمه كانت قبل العشاء بسنة كاملة.
لذلك فإن كلمات الرب في إنجيل يوحنا الإصحاح السادس عن جسده ودمه لا تشير إلى العشاء الرباني.
ماذا كانت كلمات الرب في يوحنا 6، وماذا كان تأثيرها على سامعيه في تلك الساعة؟ هل فهموا أن كلامه يعني تحويل الخبز والخمر إلى جسد الرب ودمه؟ لم يكن لدى الشعب أي فكرة من هذا النوع! هل اعتقدوا أن يسوع كان يعني الشرطة المقدسة؟ لا، أبداً، لأنه لم يكن عشاء للرب في ذلك الوقت، ولم يهيأ إلا بعد سنة. أما أكل وشرب جسد الرب ودمه فقد كان أمراً سريعاً فورياً واجباً عليهم أن يفعلوه حالاً بدون تأخير لتكون لهم حياة أبدية. لم يقل الرب: "إن لم تأكلوا جسدي وتشربوا دمي (بعد سنة) فليس لكم حياة فيكم" لكن قال: "إن لم تفعلوا ذلك (الآن) فليس لكم حياة فيكم (الآن)". لم يشر الرب ولا علم التلاميذ ولا المستمعين عن العشاء الرباني بل عن قبوله والإيمان به. فواضح جداً أن كلمات الرب لم يكن بها أية إشارة أو مرجع أو شاهد لعشاء الرب أو للشركة المقدسة.
طالما أن كلمات الرب في يوحنا 6 لم تشر إلى عشاء الرب. فإلى أي شيء أشارت يا ترى؟
نجد الجواب عندما نقرأ كل الإصحاح السادس مع فقرات أخرى من العهد الجديد. لقد قال الرب هذا بعد اليوم الذي عمل فيه معجزة إطعام الخمسة آلاف شخص بخمسة أرغفة وسمكتين. وكانت النتيجة أن الشعب تبعه على شاطئ بحر الجليل، وكان توبيخ الرب لهم حين قال: "... أنتم تطلبونني، ليس لأنكم رأيتم آياتي، بل لأنكم أكلتم من الخبز وشبعتم" (يو 6: 26) قال لهم يسوع في يوحنا 6: 27 "اعملوا لا للطعام البائد بل للطعام الباقي للحياة الأبدية الذي يعطيكم ابن الإنسان، لأن هذا الله الآب قد ختمه". كان هذا الطعام شيئاً رمزياً فقط، لأن الطعام المادي لا يمكث إلى الأبد، بل يفسد ويضمحل.
سأل الشعب يسوع: "ماذا نفعل حتى نعمل أعمال الله؟" (يو 6: 28) فأجابهم يسوع فوراً: "... هذا هو عمل الله: أن تؤمنوا بالذي أرسله" (يوحنا 6: 29). يخبرنا الرب هنا ببساطة أن الشيء المهم والضروري هو أن نؤمن به.
حينئذ سأل الشعب: "... فأية آية تصنع لنرى ونؤمن بك؟ ماذا نعمل؟ آباؤنا أكلوا المن في البرية. كما هو مكتوب: أنه أعطاهم خبزاً من السماء ليأكلوا. أجابهم يسوع: أنا هو خبز الحياة. من يقبل إليّ فلا يجوع، ومن يؤمن بي فلا يعطش أبداً" (يو 6: 30 - 35).
لاحظ هنا أن قدومنا إلى يسوع يعني إيماننا به. وإيماننا به يعني قدومنا إليه. فكل من يؤمن بيسوع أو يقبل إليه، له حياة أبدية. وعندما يقول الرب عن المؤمن "لن يجوع" و "لن يعطش" فهو بالطبع يقصد أن له حياة أبدية.
لقد تذمر اليهود على يسوع لأنه قال: أنا هو الخبز الذي نزل من السماء. إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد. ولكن ما هو سوى الجواب على تذمرهم. والإثبات أن الإيمان به يعطي حياة أبدية، فقال: "الحق الحق أقول لكم من يؤمن بي فله حياة أبدية" (يو 6: 47). ولأول مرة نراه يذكر جسده حين قال: "أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء. إن أكل أحد من هذا الخبز يحيا إلى الأبد. والخبز الذي أنا أعطي هو جسدي الذي أبذله من أجل حياة العالم".
هنا نرى أن "الخبز" و "الجسد" لهما نفس المعنى. الخبز الذي تكلم عنه هو جسده، وقال إنه يريد أن يبذل جسده من أجل حياة العالم. وقد عمل ذلك عندما صلب طوعاً على الصليب لرفع القصاص الناتج عن خطية العالم. إن أكل جسد ابن الإنسان هو كأكل الخبز الحي الذي نزل من السماء، وأكل خبز الحياة الذي أتى من السماء كما قرأنا: هو أن نأتي إلى يسوع ونؤمن به. لا أكثر ولا أقل. الذي يؤمن بيسوع يقتات على الخبز الحي، يأكل جسده ويشرب دمه الرمز للحياة الأبدية.
قال يسوع: "من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت فيّ وأنا فيه" (يوحنا 6: 56). ويخبرنا الروح القدس في 1 يوحنا 4: 15 "من اعترف أن يسوع هو ابن الله، فالله يثبت فيه وهو في الله". وهكذا نرى للمرة الثانية أن تناول جسد الرب يسوع ودمه هو الاعتراف به أنه ابن الله أي كالإيمان به.
ولكي يبعد يسوع اليهود عن التفكير المادي قال: "الروح هو الذي يحيي. أما الجسد فلا يفيد شيئاً. الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة" (يوحنا 6: 63). وقال يسوع: "إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم" (يو 6: 53). وقال أيضاً: "... من يؤمن بي فله حياة أبدية" (يو 6: 47). وهذا واضح جداً أن تناول جسد الرب ودمه يعني الإيمان به. ومهما يكن من أمر، فإن هذه هي الحالة الوحيدة لربح الحياة الأبدية.
وهكذا فإن المرء يستطيع أن يأكل جسد الرب ويشرب دمه، حتى لو لم يشترك ولا مرة في تناول العشاء السري أو الشركة المقدسة. ألم يفعل اللص على الصليب نفس الشيء؟ لقد كانت له حياة أبدية لأنه دخل الفردوس في نفس اليوم الذي صلب فيه يسوع، حسب قول الرب له في لوقا 23: 43. لقد شرب اللص دم الرب وأكل جسده بالرغم من أنه لم يحضر العشاء السري الذي أقامه الرب في الليلة التي سبقت يوم صلبه.
وفي الإصحاح السادس من إنجيل يوحنا نرى أن تناول جسد الرب ودمه لا يتمان عن طريف الفم بل عن طريق القلب. ولتبقى هذه الحقيقة عالقة بأذهاننا أن ما قاله الرب في يوحنا 6 كان قبل ممارسة العشاء الرباني، دعونا نذكر أن التلاميذ كانوا يحيون في يسوع وهو فيهم. والنفس التي تأتي إلى الرب يسوع معترفة بأنه رب وتتخذه مخلصاً شخصياً، فإن لتلك النفس حياة أبدية الآن. كما يقول يسوع: "الذي يؤمن بي له حياة أبدية".
إن عقيدة الاستحالة (أي تغيير الخبز والخمر إلى ذات المسيح) تناقض حواسنا: الإحساس والنظر والشم واللمس والذوق. فعندما نرى ونلمس الخبز والخمر ونشتمّ رائحتها ونذوقها، نتأكد أنها لا زالت خبزاً وخمراً حتى بعد تكريسها، إذ أن التكريس لا يغير منها شيئاً.
نقلت مجلة تابلت Tablet الكاثوليكية في عددها الصادر يوم 19 شباط (فبراير) 1910 نص العظة التي وعظها الكاهن فاون Vaughen في كاتدرائية وست منستر، فقالت: "إن نفس الجسد الذي وضعته مريم العذراء على يديها في ليلة الميلاد، ونفس الحياة والشخص الذي نفخ وقال لمريم المجدلية، اذهبي بسلام، مغفورة خطاياك، نفس العيون التي نظرت بمحبة إلى الشاب الغني في الإنجيل، ونفس اليدين اللتين باركتا الأطفال وكتبتا على الرمل، والجبين الذي نزف الدم من تحت تاج الأشواك، واليدان والرجلان المثقوبة على الصليب، والجروح والقلب المنكسر من أجل خطايانا، كلها مجتمعة داخل الخبز والخمر في الشركة المقدسة".
إن سؤالاً بديهياً يخطر على بالنا هو: هل تغير هذا الخبز والخمر المكرس إلى ذات الطفل يسوع ابن مريم الحقيقي؟ هل كبر وترعرع ووعظ؟ هل عمل العجائب؟ هل صعد إلى السماء؟ إذا كان الجواب بالنفي، فإن هذا يعني أنه ليس هو المسيح بأي حال من الأحوال.
إن عقيدة الاستحالة عقيدة تناقض التفكير المنطقي السليم. فكنيسة روما تدّعي بأن المسيح حول الخبز والخمر إلى جسده ودمه أثناء ممارسته العشاء السري مع التلاميذ. وبحسب هذه العقيدة نرى أنه قد حول نفسه إلى الخبز والخمر – حول نفسه ثم أكل وشرب نفسه، كذلك التلاميذ أكلوا وشربوه، بالرغم من أنه كان واقفاً أمامهم. يا لها من عقيدة هدامة! إننا نستنتج من الكتاب المقدس أن المسيح لم يكن داخل الخبز والخمر أبداً. والبراهين الكتابية كافية لكي تدحض وتنقض عقيدة الاستحالة التي لا أساس لها من الصحة.
عندما يقول كهنة الكنيسة إن الخبز والخمر المكرس هو المسيح نفسه ويحملونه على أيديهم، ويضعونه في المكان السري الخاص به في الهيكل وعلى المذبح، نتذكر تحذير الرب يسوع المسيح في متى 24: 23 – 26 "حينئذ إن قال لكم أحد هوذا المسيح هنا وهناك فلا تصدقوا. لأنه سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة ويعطون آيات عظيمة وعجائب حتى يضلوا لو أمكن المختارين أيضاً. ها أنا قد سبقت وأخبرتكم. فإن قالوا لكم: ها هو في البرية فلا تخرجوا. ها هو في المخادع فلا تصدقوا".
تزعم الكنيسة الكاثوليكية أن الخبز والخمر عندما يكرسان يتحولان إلى يسوع المسيح بالذات، إلى ابن الله وإلى الله نفسه، وبالتالي فعلى الشعب أن يركعوا ويصلوا له ويعبدوه. أي أن الكنيسة تقول بكل وضوح إن للكاهن السلطة لتكريس الخبز والخمر وتحويلهما إلى الله. يقول الكتاب المقدس في أعمال الرسل 19: 16 "... إن التي تصنع بالأيادي ليست آلهة" وكذلك في مزمور 115 عن "صنع أيدي الناس" التي يعبدونها ويقدسونها.
نقرأ في سفر أشعيا 44: 14 – 20 عن رجل يزرع شجرة فتنمو. ثم يقطعها ويستخدم بعض أجزائها ليتدفأ ويطبخ طعامه عليها ويستخدم جزءاً آخر لصنع صنم يسجد أمامه ويعبده ويصلي إليه قائلاً "نجني لأنك أنت إلهي". وهكذا إنسان عصرنا الحاضر. فهو يبذر بذور القمح في الربيع وينتظر حتى تنمو وتنضج. وفي الصيف يحصدها ويأخذها إلى المطحنة حيث تطحن. وبعد أن تطحن يأخذ الكاهن جزءاً من هذا الدقيق ويصنعه خبزاً ويأكل قسماً منه والقسم الآخر يعمله برشاماً ويكرسه. وبعد ذلك يضعه أمام الشعب. والجميع ينحنون ويسجدون له. فما الفرق إذاً بين عبادة إله خشبي وعبادة إله برشامي؟ لا فرق أبداً، هي آلهة معمولة بالأيدي. وهي عبادة أوثان. قرأ في سفر الخروج 32 قصة العجل الذهبي، وقارن بين عبادته وعبادة البرشامة الكاثوليكية. إن كهنة الكنيسة الكاثوليكية يحاولون معذرة أنفسهم بقولهم إن العجل الذهبي هو عبادة أصنام، ولكن البرشامة بعد تكريسها تتحول إلى المسيح، وعبادتها ليست عبادة وثنية. ولكننا رأينا من كلمة الله المقدسة أن البرشامة ليست المسيح وأنها لم تتغير بعد التكريس. وقد التجأ الشعب في القديم إلى نفس العذر عندما قالوا: "هذه آلهتك يا إسرائيل التي أخرجتك من أرض مصر". وكأنهم في قلوبهم يقولون: "نحن لا نعبد هذا العجل، لكنه يمثل إلهنا يهوه العظيم الذي أخرجنا من أرض مصر".
يمنعنا الكتاب المقدس من صنع أي صورة تمثل الله: "لا تصنع لك تمثالاً منحوتاً ولا صورة ... لا تسجد لهن ولا تعبدهن..." (خروج 20: 2 - 5). "... للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد" (لوقا 4: 1). إن الله يطلب منا عبادة بالروح والحق، وإن السجود للأصنام البكم أو الركوع للبرشام (الخبز) أو أي شيء آخر يعتبر بنظر الله عبادة وثنية.
ثم إن عقيدة الاستحالة تناقض تاريخ الكنيسة. إنها عقيدة باطلة اخترعت بعد صعود المسيح بمئات السنين. إن علماء اللاهوت في القرون الأولى لم يعرفوا شيئاً عن الاستحالة ولم تظهر هذه العقيدة إلا عام 1215 م.
يؤمن المسيحيون الحقيقيون أنه يجب عليهم أن يأكلوا جسد الرب ويشربوا دمه إن هم أرادوا الحصول على حياة أبدية ثابتة فيهم. ونحن كمسيحيين نعلم أن هذا يتم عن طريق الإيمان بيسوع المسيح كابن الله. وعن طريق قراءة وحفظ الكتب المقدسة. وأيضاً عن طريق الإصغاء إلى الوعظ المبني على الإنجيل المقدس. ويتم هذا أيضاً عندما نصلي إلى الآب باسم المسيح، وعندما نشترك في تناول الخبز والخمر في الشركة المقدسة (وهو لا يزال خبزاً وخمراً) طاعة للوصية: "اصنعوا هذا لذكري".
فهل المسيح حقاً موجود في الشركة المقدسة؟ نعم. إن الرب يسوع حاضر وموجود بالإيمان في نفوس أتباعه الأمناء، ولكنه غير موجود حرفياً ومادياً في الخبز والخمر.
قال يسوع: "اصنعوا هذا لذكري" وهذه الوصية يجب طاعتها، وهي امتياز عظيم وبركة. ولكنها أيضاً مسئولية واضحة. قال يسوع: "اصنعوا هذا". بصيغة الأمر، لذلك يجب أن نصنعه لنطيعه. لذا ينبغي على المسيحيين قبول الشركة المقدسة.
قال يسوع: "إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم" وقال أيضاً في نفس الإصحاح: "الذي يؤمن بي فله حياة أبدية".
"البار بالإيمان يحيا" (عبرانيين 10: 38) "بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه" (عب 11: 6).
"فإذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح" (رومية 5: 1).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق